مَنَاهِجُ الدَّرْسِ اللُّغَويّ الحَدِيثِ وَأثَرُهَا في الصِّنَاعَةِ المُعْجَمِيَّة دِرَاسَة وَصْفِيّة تَارِيِخيّة

علي حسن الدلفي
2019 لارك  
ينْتَمِي هَذَا البحثُ إلى مَجَالِ صِنَاعَةِ المُعْجَمِ (Lexicography)، وَهُو قِسْمٌ مِنْ أقسَامِ الًّلسَانِيَاتِ التَّطبيقية، التَّي مَا زالت تَخْلُو مِنْهَا جَامِعَاتنَا، وَمَا زَالت -مَعَ الأسَفِ- مُهْمَلة في تَطْبِيقَاتِ مَنَاهِجِ بَعْضِ مُؤسسَاتِنَا العلمّية والأكَاديمية، بِخِلافِ الحالِ في جَامِعَاتِ الدولِ الأخرَى التي تُولي أهَمّيّة خَاصّة لِهَذه الأقسَامِ ، ذَلِكَ لأهَمّيّتِهَا التَّطْبَيقيّة فِي المَجَالاتِ التَّي تَتَميَّزُ بالهُويّة القوميّة والثّقَافِيّة للغات، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ
more » ... ُخْتَلفِ فُرُوعِ الِّلسَانِيَاتِ التَّطْبِيقيَّة الأُخرَى، كالمُصْطَلَحِيَّة (وَضَعِ المُصْطَلحَاتِ وَتْوحِيدِهَا)، وَالتَّخْطِيطِ الُّلغويّ، وتعليم الُّلغاتِ، وأمْرَاضِ الكلامِ وَغَيرِهَا مِنَ الأقسَامِ، فَضْلاً عَنْ قِسْمِ (صِنَاعَةِ المُعْجَمَاتِ) وَهُوَ القِسْمُ الذَّي سَنَتَعرَّضُ لِبَحْثِ بَعْضِ جَوانِبِهِ التَّطوريّةِ وَمَنَاهِجِهِ وَقَضَاياه. وَالتَّأليفُ المُعْجَمِيّ صِنَاعَةٌ قَدِيمَةٌ وَعَرِيْقَةٌ، عَرَفَتْهُ الشُّعُوب القَدِيمَة، وَبِالتَّحديدِ شُعُوبِ هَذِهِ المِنْطَقَةِ؛ إذْ يَرْجِعُ إلى هَذِهِ الشُّعُوبِ أقْدَمُ أشْكَالِ المُعْجَمَاتِ المُكْتَشَفَةِ حَتَّى الآن، وَالتَّي كَانَتْ عِبَارَة عَنْ مُعْجَمَاتٍ مُتَعَدّدةِ الُّلغاتِ جَمَعَتْ عَدداً مِنْ لُغَاتِ هَذِهِ المِنْطَقَة كالسُّومَرِيّةِ وَالأكديّةِ والأوغَارتيّةِ. وَهَكَذَا انطَلَقَتْ هَذِهِ الصِّنَاعَةُ مِنْ هَذِهِ المِنْطَقَةِ، فَكَانَ شُعُوبُ هَذِهِ المِنْطَقَةِ أسْبَق الشُّعُوبِ القدِيمةِ في التَّأليفِ المُعْجَمِيّ. ثُمَّ تَابَعَ العَرَبُ الرِّيادَةَ وَالمُسَاهَمةَ فِي تَطْويرِ الصِّنَاعَةِ المُعْجَميّة وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ التَّآليفُ المُعْجَميّةُ المُتَنوّعةُ التَّي أبْدَعَ فِيهَا العَربُ القُدمَاء، فَكَانَ لَهُم دَوْرهم الكبير فِي تَطْوير الحَرَكةِ المُعْجَميّةِ آنذاك، بِخِلافِ الحالِ فِي عَصْرِنَا الحالي؛ إذْ لا تَزَال الحَرَكة المُعْجميّة العَربيّة تُعَاني تَأخُّراً وَتَحفُّظاً عَلَى أكْثرِ مِنْ صَعِيدٍ وَمُسْتَوًى، مُقَارنةً بِالحَرَكةِ المُعْجَميّة فِي الدّولِ المُتَقدِّمَةِ التّي تُولِي عِنَايةً خاصّةً لِهَذِهِ الصِنَاعَةِ لِخُصُوصيّتِهَا الُّلغويّةِ والثَّقافيّةِ وَالعلميّةِ وَالفِكريّةِ، وَذَلِكَ بِتَخْصِيصِهَا فُرُوعَاً أكاديميّةً لِدِرِاسَةِ المُعْجَمِ وَتَطْويرِ صِنَاعَتِهِ، وَبِتَقْدِيمِ الدعمِ المالي الكبير مِنْ قِبل الهيئاتِ العلميّةِ وَالمؤسساتِ التَّجاريّةِ، مِنْ أجْلِ تَصْنيعِ مُعْجَمَاتٍ تُسَايرُ حَرَكَةَ تَطوّرِ الُّلغةِ، وَلِجَعْلِ مُعْجَمَاتِهِم أكْثَرَ تَطوّراً وَوَظيفَةً وَحَيويّةً، وأكْثرَ استِجَابةً لِمُتطلباتِ العصرِ وأغراضِهِ؛ مِمَّا جَعَلَ المُعْجَمُ فِي الغَرْبِ يَنَالُ ثِقَةً كَبِيرةً مِن قِبل القرّاء حَتّى أصْبَحَ وجوده ضَرورَةً فِي كُلِّ بَيْتٍ. عَلَى خِلافِ حَالِ المُعْجَمَاتِ العَربيّةِ التّي فَقَدَتْ ثِقَة القَارِئ العربيّ، وانْصِرَافه عَنْهَا، لِضُعْفِ دُوْرِهَا وَلِتَأخّرِهَا عَلَى أكْثَرِ مِنْ صَعِيدٍ، فَلَم تَحْظَ بالاهتمَامِ الكافي وَالدِّراسةِ الوَافيةِ؛ إذْ مَا زَالت تُعاني مِن الاضطِرَابِ وَالفُوضَى في المَنَاهِجِ التّي تَسْلكُهَا، سَواء فِي دِرَاسَتِهَا النَّظريّةِ، أو في مُمُارَسَاتِهَا التَّطبيقيّة. فضلاً عَن إنَّهَا مَا زَالت تَسِير فِي خُطَى حَذِرَةٍ وَمُتَحَفّظةٍ فِي مَسارِ تَطوّرِهَا البَطِيء.
doi:10.31185/lark.vol1.iss7.927 fatcat:q5weinllbnc7tcug6a24nxdtnm