تناصات المتنبي مع الثقافة العالمية

محمد تقي جون
2019 لارك  
كان لابد لشاعر إنساني كبير بحجم المتنبي أن يتناص فكراً وروحاً مع شعراء وعلماء وثقافات إنسانية حية، وكانت النظرة القاصرة جداً من النقد العربي المحافظ قد جعلت المتنبي أكبر سارق بدلا من أن يكون أكبر متماس مع كل فكرة سامية كانت قبله أو جاءت بعده؛ فقد اتهمه الصاحب بن عباد بأنه " إذا انشد شعر أبي تمام قال: هذا نسج مهلهل وشعر مولد، وما اعرف شاعركم هذا وهو دائب يسرق منه، ويأخذ عنه ثم يمزج ما يسرقه في أقبح معرض.. ولو آتي على أفراد سرقاته لطال ذلك"(1)، وزعم العميدي انه تأمل أشعاره كلها فوجد الأبيات التي
more » ... فخر بها أصحابه "من أشعار المتقدمين منسوخة، ومعانيها من معانيهم المخترعة مسلوخة"(2). وقد أوغل العميدي في ظلمه له حتى اتهمه بسرقات مفضوحة التهافت؛ فقد اتهمه بالسرقة من بديع الزمان الهمذاني الذي ولد بعد وفاة المتنبي بأربع سنوات(3)! واتهمه أيضا بالسرقة من شخصية وهمية هو أبو الفتح الاسكندري بطل مقامات البديع(4). وسبب ذلك يعود إلى النقد العربي الذي يرى ان المبتدَع والمخترَع في الشعر قليل؛ فمهما احترس الشعراء فإنهم سيقعون في السرقة(5). فالجاحظ يرى ان المتقدمين قالوا كل شيء ولهذا فالمعاصرون لابد ان يكونوا شركاء في معانيهم سرقة أو استعانة(6). على أن موضوعة السرقات أريدت حجر عثرة في طريق الشعر الجديد المعتمد على المعاني؛ توليدها واستيفائها(7). إن موضوع البحث لم يعن بالأدب العربي، إذ اتجه البحث إلى آداب الأمم الأخرى الحية ليدرس التناص بين المتنبي وبينها. وتأتي أهمية هذا الموضوع في جِدَّته كل الجِدَّة لأنه يبحث في النقاط المتناظرة بين أدبين بعيدين زمانا ومكانا ويصعب أحياناً تأكيد أخذ بعضها من بعض. وقد جاءت فكرة البحث نتيجة قراءتي المتعمقة لشعر المتنبي والأدب والفكر العالميين، إذ قادني ذلك إلى اكتشاف تشابه واضح بين أدب المتنبي وثقافة العالم الآخر، ولعل هذا التشابه يعود في خطوطه العريضة إلى إنسانية وحيوية كل من الأدبين، وان سمو المتنبي وشاعريته الفذة لابد من أن تجعله يلتقي الذي بمستواه رقيَّاً وسموَّاًَ. وقد أقصرت البحث على تناصات بارزة لغرض توجيه الانتباه إلى وجود هكذا ظاهرة في شعر المتنبي، إذ ربما سيقود هذا البحث الآخرين إلى البحث عن تناصات جديدة في شعر المتنبي أو شعر غيره من فحول الشعراء العرب.
doi:10.31185/lark.vol1.iss5.953 fatcat:43vx45k36bfofaz23ryebpmxgy